جبل الجليد ( الفصل الثالث )
الجمعة 5 أغسطس 2022
1
في المساء
كانت واقفة بجوار تلك النافذة الزجاجية شاردة في الفراغ الكبير الممتد امامها... وقد بدت في تلك اللحظة كاميرة مسجونه في زنزانه من الأساطير الخرافية... أميرة حافظ عليها ابيها بين جدارن قصر عالي طوال عمرها لتختطف علي يد عدو عائلتها البربري... توهجت عيناها بشجن بلون الزمرد وارتجفت شفاها بقهر وهي تطبطب علي روحها بوعد ان خلاصها قريب.. فابيها واخيها لن يتركوها اسيرة طويلا فهي ابنه عدنان الهاشمي الذي لن يرضي لابنته بهذا المصير.. واخت فهد الهاشمي من سيحرق الدنيا من أجل إعادتها.. اغمضت عيناها تشجع نفسها وتواسيها فما عليها الا التحمل قليلا بعد..
لم تنتبه لسليم الذي دلف للغرفة ووقف يتطلع نحوها للحظات وهي غارقة في هذا السكون ووجها يحمل كل هذا الحزن....
بعد لحظات انتبهت لدخوله لتنفض نظرات الحزن عنها وتواجهه بنظراتها المشبعه بالاشمئزاز والكراهية ليزم شفتيه يخفي غضبه وهو يقول: يلا تعالي معايا... هتروحي بيتك
لم تصدق اذناها لوهله قبل ان تنطلق الفرحة بعيونها فهي ستعود لأهلها.... واخيرا
نظر بتوعد الي تلك الفرحة التي نطقت بها عيونها تاركها تحلم بالتخلص من قبضته ليفيقها قريبا...!
استسلمت ليده التي تسحبها خلفه لأول مرة ليندهش من سكونها طوال الطريق فقد عهدها طوال اليومان الماضيان شرسة لاتهدأ.،
أبطأ سرعه سيارته ليدلف لقصر ابيها ليفيض قلبها بالمشاعر ويتخبط بفرحه عارمة فهاقد انتهي كابوسها وعادت لبيتها...
ترجلت من السيارة بخطوات سريعه تريد أن تركض لحضن ابيها ولكنها تفاجأت بيده القوية تقبض علي يدها لتنظر له بنظرات نارية تجاهلها ببرود فيما خطي بجوارها بكل شموخ وغطرسة وهو يقف بها امام ابيها الذي ظهر لدي الباب فاتحا لها ذراعيه لتركض اليه بعد ان حررها من قبضته... قبل جبينها ووجنتها بقلب ملتاع وانهمرت دموعها انهارا وهو يهتف.. حور حبيتي انتي كويسة
اومات له واختنق صوتها بالدموع فالبالتاكيد هي بخير طالما عادت لاحضانه...
ظهر فهد بقامته المديدة وفتح لها ذراعه بحنانه المعتاد ليقبل جبينها قبله طويلة يودع فيها اسفه لعدم استطاعته حمايتها..!
اقترب سليم منها لتنكمش في حضن أخيها مندهشة من صمته وعدم قتله لهذا الرجل الذي تجرأ واختطفها .
تحدث بصوته القوي موجها حديثه لعدنان : انا اديتك كلمه ونفذتها وجبت بنتك لحد عندك
نظرت لابيها الذي نظر لسليم بامتنان باندهاش فيما تحدث : شكرا ياسليم.. وانا عند كلمتي الماذون جوه هيكتب كتابك علي بنتي وهسلمهالك قدام الناس كلهم
غالب فهد غضبه فهو لايريد ان يكون مديون لاحد وخاصة سليم ولكنه مضطر بعد قبوله بطلب عدنان بإحضار حور لمنزله ليزوجها له هو واخيها ويعيد كتب الكتاب طبقا للاصول للحفاظ علي هيبته وقد وافق سليم واحضرها بيده لهم ليأخذها بعد إشهار زواجه عليها بموافقتهم...
رفعت عيناها التي امتلئت بالدموع تنظر لابيها غير مصدقة لماتفوه به للتو
لتردد.. بابا انت بتقول اية؟
حاول التحدث بنبرة حازمه ولكنه لم يستطع امام دموعها المتخاذله ليخرج صوته متحشرج : اللي سمعتيه ياحور.. انتي هتتجوزي سليم ابن عمك
غص حلقها ونقلت نظرها لفهد الذي ابعد عيناه يخشي مواجهتها وقد جاهد لإظهار القوة وهو يقول : يلا ياحور ادخلي الناس وصلت
لم تعي شئ مما يحدث فقد كان اليوم كابوس أفظع من الأمس فامس أخذها غصب واليوم يسلمها له ابيها بيده وكانها قربان مقابل حياة فارس أخيها...
شعرت بشعور قاسي قتل روحها في تلك اللحظة حينما خذلها أقرب الناس اليها لتغطي سحابه سوداء قلبها تكره الجميع في تلك اللحظة.. فوالدها وضع يده بيد خاطفها يكتب وثيقة اسرها وذلها له واخيها وقف شاهدا .. كما وقف ادم..! ذلك الرجل الذي من المفترض أن يكون هو زوجها لا ذلك المختطف القاسي... انه واقف دون أن يرمش له جفن او يتحدث بكلمه يحاول الدفاع عنها.. انهم خذلوها... جميعهم خذلوها و كسروا قلبها وخذلوا ثقتها بهم انها تكرههم تكرههم جميعا
مزقت بغل ثوب زفافها الذي
كانت تحلم بارتداءة منذ يومان رافضه بشدة ارتداؤه امام توسلات سعاد التي لم يتوقف بكاؤها لرؤيه حور بذلك الحزن يوم زفافها وارتدت ثوب باللون الاسود يماثل السواد الذي غلف قلبها وحياتها منذ أن اختطفها ذلك البغيض بموافقة أهلها الذين تخلوا عنها
لحظات
وتعالت أصوات الرصاص احتفالا ولكن بالنسبة لها تمنت ان تخترق احداها قلبها فتريحها من ذلك المصير المجهول الذي ينتظرها..
صعد فهد لاخذها من غرفتها وينزل بها حيث وقف سليم بانتظارها لتنظر له نظرة حطمت قوته التي يتظاهر بها فقد كانت تعتبره سندها وحمايتها ولم تتوقع أن يخذلها بتلك الطريقة لترفض امساك يدة وتنزل بخطوات مقهورة الدرج تودع اعوامها بين جدران هذا المنزل..
اقترب منها والدها يودعها قبل ان ياخذها سليم لتغمض عيناها رافضة اقترابه منها بل وتسير لتقف بجوار سليم بهدوء فبأي حق يريد الاقتراب منها وهو من سلمها لمن اختطفها بيده... نظر اليها والدها بحنو وحاول مجددا مد يده نحوها لتبتعد عنه بجفاء ونفور فهي تكرهه وتكره الجميع تريد أن تنتقم منهم جميعا لما فعلوه بها
امسك سليم بيدها وخرج ظافرا بها وسط إطلاق النار الصاخب ليعود بها مجددا لاسرها ولكن تلك المرة بموافقة الجميع الا هي...! استغرب من صمتها واختفاء مقاومتها طوال الطريق واعتبر انها تقبلت ماحدث.
دخلت المنزل بخطي مهزومة فهاقد عادت لقبضته من جديد.. عادت وهي وحيدة ليس لديها احد لتحتمي به.. ظلت واقفة مكانها تتقبل نظرات والدته وخالاته الكارهه والشامته لتستنكر احدي خالاته ارتداؤها للون الاسود بيوم زفافها قائلة بحدة : في عروسة تدخل بيت جوزها لابسة اسود
لم تراعي كبر سن تلك المرأه لترد بحدة لازعه: اه لما تكون بتكرهه وبتعتبر اسود يوم في حياتها اللي دخلت فيه بيته
رمقتها وفاء بنظرات نارية وقبض سليم علي ذراعيها بقوة المتها لتقول بغضب : سامع مراتك بتقول اية ياسليم
حاولت تخليص يدها من يده التي امتدت تحيط خصرها امام الجميع قائلة بعنف : متلمسنيش
شهقت النساء باستنكار ليجز سليم علي أسنانه غضبا فهي تجرأت عليه ليقبض علي معصمها بقوة ساحبها خلفه لجناحهم.. لاتنكر انها ترتعب خوفا من رده فعله علي كلماتها ولكنها تظاهرت بالقوة وبثت الشجاعه بقلبها ولكن شجاعتها تبخرت حينما دفعها سليم بقوة داخل الغرفة واوصد الباب خلفة ناظرا اليها بغضب مستعر وهوت يده بصفعها علي وجنتيها جعلت الدموع تطفر من عيناها وهو يقول بتوعد : انا هوريكي اسود يوم في حياتك عامل ازاي
امسك بذراعيها ودفعها علي الفراش مقتربا منها ينتوي صفعها مرة اخري لتتراجع بذعر ودقات قلبها تطرق كالطبول وهي تري نظراته الشرسة التي يوجهها لها.. ضربت يده التي امتدت نحوها وتابعت تراجعها ولكنه سرعان ماامسك بها مقربها منه ليري اثار صفعته بوضوح بجانب ارتجاف شفتيها رعبا منه فيلعن بغضب متراجعا عن ضربها فيكفيه الخوف الواضح بعيونها ليقول بغضب : اخر مرة هحذرك تاخدي بالك من كلامك عشان متجبرنيش أمد ايدي عليكي تاني
دفعها بقوة فسقطت علي الفراش فيما خرج صافقا الباب خلفة بعنف.... بكت بحرقة كما لم تبكي يوما فالخوف الذي تشعر به كلما رأته اصبح لاخلاص منه و الذل الذي تشعر به سيلازمها دائما فهي مضطرة لتعيش وسط تلك الكراهية بموافقة أهلها ...
بعد قليل
تعالت أصوات الرصاص تعلن عن وصول أخيها لعقد قرانه علي اخت سليم لتجد قدماها تقودها لتلك النافذة تتطلع بغصه حلق مريرة لعائلتها التي جاءت للاحتفال بقلب بارد دون الاهتمام لما فعلوه بها.... تراجعت للخلف حينما رأت ابيها يقف بشموخ وفخر بجوار ابنه فهد تكرههم و لاتريد ان تراهم بعد ان تخلوا عنها ...
جلست حور علي طرف الفراش دون أن تبكي فقط الدموع تحجرت بعيونها رافضة الانزلاق ولماذا تبكي..؟ وعلي من؟ علي فراق عائلتها.. وهم من تركوها لهذا المصير... يجب أن تتوقف عن البكاء فقط عليها ان تبقي قوية لتنتقم منهم جميعا علي مافعلوه بها...
وصلت اليها أصوات الطبول من الأسفل ليزداد كرهها وحقدها علي الجميع.. فهم سعداء بابنتهم التي ستتزوج وابيها يتلقي التهاني بزواج ابنه فهد دون أن يهتم بها وكانه لم يقدمها قربان لابن أخيه منذ ساعات... بعد انتهاء الحفل صعد اليها سليم ليتوقف لدي باب الغرفة يتطلع اليها ببعض الشفقة وهو يري مقدار القهر والانكسار الذي تشعر به واختفاء شراستها ومقاومتها واكتفاءها بهذا الصمت... تنهد مطولا ولاينكر انه ان كان سعيد برؤية خذلان عائلتها لها فلم يكن هناك سبيل اخر لرضاءها بحياتها معه سوي ان تعرف ان هذا اصبح واقعها وان لااحد من عائلتها سيغير منه شئ... ولكنه لاينكر بأن رؤيتها بتلك الحالة جعله يرتفق بها فقد نالت الكثير من الظلم خلال هذان اليومان
ظلت طويلا علي حالتها الصامته تلك فهي لا تشعر بشئ سوي الكراهية تجاه الجميع حد الاختناق..
اغمضت عيناها لعلها تنام قليلا دون أن تهاجمها ذكريات اليومان الماضيان فهذا الكابوس الذي تعيشه يأبي تركها ويحاصرها بكل قوة وجبروت
دوت دقات قلبها صاخبه حينما شعرت بخطواته تقترب من الفراش لتحبس أنفاسها بصعوبة وتضغط باناملها المرتجفه علي غطاء السرير شاهقة بفزع عندما شعرت به يقترب منها و يجذبها اليه ليلتصق ظهرها بصدره فالتفتت اليه تبعده عنها تضرب صدره بانفعال تقاوم اقترابة منها بشراسة... وتصيح بهياج.. ابعد عني
تجاهل ضرباتها له واحاطها بذراعيه القوية
هزت راسها بشدة وغرست اظافرها بوجهه :متلمسنيش
اشتعلت عيناه بالغضب وقبض علي ذراعها وهزها بقوة قائلا : انا جوزك حقي المسك زي مانا عاوز
توحشت ملامحها بغضب هادرة : وانا مش طايقاك وبكرهك... ابعد عني وسيبني في حالي
قال بحزم وهو يقربها الي صدره القوي : اكرهيني زي مانتي عاوزة.. بس برضه مش هبعد انتي خلاص بقيتي مراتي قدام الناس كلها وحقي.. ارضي بحياتك معايا احسن ماتعذبي نفسك من غير داعي
حاولت دفعه بعيدا عنها وهي تقول بصوت مختنق:مش هرضي عمري ماهرضي... ارضي بيك ازاي وانت خطفتني ودمرت حياتي
اقترب منها هامسا : انسي كل اللي حصل وافتكري بس انك بقيتي مراتي
نظرت له بغيظ من كلماته الباردة وكانه لم يفعل شئ لتهتاج دافعه اياه بكل قوتها بعيدا عنها هاتفه... ابعد عني ربنا ياخدك
اغضبته مقاومتها الضارية لاقترابه منها ولم يجد سبيل اخر لتهدئتها ليميل نحوها ويقيد معصمها بيد واحدة يقترب من شفتيها الكرزية سارق قبلتها الاولي...
كان مسيطرا هادئا يتذوق شهد شفتيها بتروي علي نقيضها فقد كانت هائجة رافضة اقترابه تحاول تخليص شفتيها من بين شفتيه القوية ولكنها لم تستطيع فقد خارت قوتها فاستسلمت لشفتيه بأنهاك وضعف ولم تعد قادرة علي مقاومة قوته اكثر لتهمس بضعف وقد هددت دموعها بالانهمار... لا.. بلاش تغصبني علي حاجة انا مش عاوزاها
تابع تذوق شفتيها يحاول الايتأثر برجاءها مرددا : انتي مراتي
انهمرت دموعها : بس انا مش موافقة
هدر بغضب شديد مبتعدا عن شفتيها :هتوافقي ياحور بمزاجك اوغصب عنك هتوافقي..
دفعت يده بكراهية وقالت بقهر : عمري ماهوافق.. انا بكرهك ياسليم.. بكرهكم كلكم وهنتقم منكم علي اللي عملتوه فيا وانا مليش ذنب في الحرب اللي بينكم....
لامست كلماتها الأخيرة قلبه فهي بالفعل لاذنب لها بكل ماحدث ليجد عيناه تومض بحنو وهو يراها طفله خائفة تهدد بوجع وقهر وهي لاتقدر علي شئ ليهمس قبل ان يبتعد عنها :حقك.. انتقمي مننا انتي مكنش ليكي ذنب
قالت باصرار من بين دموعها المنهمرة : هنتقم منكم كلكم وانت اولهم
ارتسمت ابتسامه ملتويه علي جانب فمه من تهديدها الزائف وأبتعد لطرف الفراش مستلقي علي ظهره ومغلق عيناه وهو يردد بهدوء .. نامي ياحور..
قالت بحقد.. ملكش دعوة بيا
قال بعصبيه : لو فتحت عيني هوريكي ازاي مليش دعوة بيكي
ابتعدت لاقصي السرير واغمضت عيناها بقوة تجبرها علي النوم قبل ان ينفذ تهديدة
... قراءه ممتعه بقلم رونا فؤاد
تابعة لقسم :
تم
ردحذف